فصل: الشاهد التاسع والثمانون بعد الأربعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.استيلاء سيف الدين غازي على بلاد الجزيرة.

قد كنا قدمنا أن نور الدين إستولى على بلاد الجزيرة وأقر سيف الدين ابن أخيه قطب الدين على الموصل واحتمل معه فخر الدين عبد المسيح الذي ولى سيف الدين واستبد عليه بأمره وولى على قلعة الموصل سعد الدين كمستكين ولما استنفرهم نور الدين بين يدي موته سار إليه سيف الدين غازي وكمستكين الخادم في العساكر وبلغهم في طريقهم خبر وفاته وكان كمستكين في المقدمة فهرب إلى حلب واستولى سيف الدين على مخلفه وسواده وعاد إلى نصيبين فملكها وبعث العساكر إلى الخابور فاستولى عليها وعلى أقطاعها ثم سار إلى حران وبها قايماز الحراني مولى نور الدين فحاصرها أياما ثم استنزله على أن يقطعه حران فلما نزل قبض عليه وملكها ثم سار إلى الرها وبها خادم لنور الدين افتسلمها وعوضه عنها قلعة الزعفراني من جزيرة ابن عمر وانتزعها منه بعد ذلك سار إلى الرقة وسروج فملكها واستوعب بلاد الجزيرة سوى قلعة جعبر لا متناعها وسوى رأس عين كانت لقطب الدين صاحب ماردين وهو ابن خاله وكان شمس الدين علي ابن الداية بحلب وهو من أكبر أمراء نور الدين ومعه العساكر ولم يقدر على مدافعة سيف الدين فخر الدين عبد المسيح وكان نور الدين تركه قبل موته بسيواس مع ذي النون بن الدانشمند فلما مات نور الدين رجع إلى صاحبه سيف الدين غازي وهو الذي كان ملكه فوجده بالجزيرة وقد ملكها فأشار عليه بالعبور إلى الشام وعارضه آخر من أكبر الأمراء في ذلك فرجع سيف الدين إلى قوله وعاد إلى الموصل وأرشد صلاح الدين إلى الملك الصالح وأهل دولته يعاتبهم حيث لم يستدعوه لمدافعة سيف الدين عن الجزيرة ويتهدد ابن المقدم وأهل الدولة على انفرادهم بأمر الملك الصالح دونه وعلى قعودهم عن مدافعة سيف الدين غازي ثم أرسل شمس الدين ابن الداية إلى الملك الصالح يستدعيه من دمشق إلى حلب ليدافع شمس الدين ابن عمه قطب الدين عن الجزيرة فمنعه أمراؤه عن ذلك مخافة أن يستولي عليه ابن الداية والله سبحانه وتعالى أعلم بغيبه.

.حصار الإفرنج بانياس.

ولما مات نور الدين اجتمع الإفرنج وحاصروا قلعة بانياس من أعمال دمشق وجمع شمس الدين بن المقدم العساكر وسار عن دمشق وراسل الإفرنج وتهددهم بسيف الدين صاحب الموصل وصلاح الدين صاحب مصر فصالحوه على مال يبعثه إليهم واشترى من الإفرنج وأطلعهم وتقررت الهدنة وبلغ ذلك صلاح الدين فنكره واستعظمه وكتب إلى الصالح وأهل دولته يقبح وبعدهم بغزوة الإفرنج وقصده إنما هو طريقه إلى الشام ليتملك البلاد وإنما صالح ابن المقدم الإفرنج خوفا منه ومن سيف الدين والله تعالى أعلم.

.استيلاء صلاح الدين على دمشق.

ولما كان ما ذكرناه من استيلاء سيف الدين غازي على بلاد الجزيرة خاف شمس الدين ابن الداية منه على حلب وكان سعد الدين كمستكين قد هرب من سيف الدين غازي إليه فأرسله إلى دمشق ليستدعي الملك الصالح للمدافعة فلما قارب دمشق أنفذ ابن المقدم إليه عسكرا فنهبوه وعاد إلى حلب ثم رأى ابن المقدم وأهل الدولة بدمشق أن مسير الصالح إلى حلب أصلح فبعثوا إلى كمستكين وبعثوا معه الملك الصالح فلما وصل إلى حلب قبض كمستكين على ابن الداية وإخوته وعلى رئيس حلب ابن الخشاب وعلى مقدم الأحداث بها واستبد بأمر الصالح وخشى ابن المقدم وأمراؤه بدمشق غائلته فكاتبوا سيف الدين غازي صاحب الموصل أن يملكوه فأحجم عن المسير إليهم وطنها مكيدة وبعث بخبرهم إلى كمستكين وصالحه على مال أخذه من البلاد فكثر إرتياب القوم في دمشق فكاتبوا صلاح الدين بن أيوب فطار إليهم ونكب عن الإفرنج في طريقه وقصد بصرى وأطاعه صاحبها ثم سار صلاح الدين إلى دمشق فخرج إليه أهل الدولة بمقدمهم شمس الدين محمد بن عبد الملك المقدم وهو الذي كان أبوه سلم سنجار لنور الدين سنة أربع وأربعين كما مر ودخل صلاح الدين دمشق آخر سنة سبعين ونزل دار أبيه المعروفة بدار العفيفي وكان في القلعة ريحان خديم نور الدين فبعث إليه صلاح الدين القاضي كمال الدين الشهرزوري بأنه على طاعة الصالح والخطبة له في بلاده وأنه إنما جاء ليرتجع البلاد التي أخذت له فسلم إليه ريحان القلعة واستولى على ما فيها من الأموال وهو في ذلك كله يظهر طاعة الملك الصالح ويخطب له وينقش السكة باسمه انتهى والله أعلم.